محمد بن راشد ومحمد بن زايد يدعوان شعب الإمارات والوطن العربي إلى المشاركة في اللحظة التاريخية



‎محمد بن راشد ومحمد بن زايد خلال اللقاء بحضور حمدان ومكتوم بن محمد وزايد بن محمد بن حمد آل نهيان | تصوير: محمد هشام
‎دعا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومع بدء العد التنازلي لوصول «مسبار الأمل» إلى المريخ شعب الإمارات وشعوب الوطن العربي إلى المشاركة في اللحظة التاريخية، والاحتفال بها كأول إنجاز في تاريخ الأمة العربية، يسهم في وضع العالم العربي على خريطة التميز المعرفي ويسهم في تعزيز قطاع الصناعات الفضائية في المنطقة.

‎حضر اللقاء سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي رئيس مركز محمد بن راشد للفضاء، وسمو الشيخ مكتوم بن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، وسمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان مستشار الأمن الوطني.
‎ويتوقع أن يدخل مسبار الأمل الإماراتي مدار المريخ في التاسع من فبراير، بعد رحلة استغرقت سبعة شهور قطع خلالها 493 مليون كيلومتر، بمتوسط سرعة يُقدر بـ 121 ألف كيلومتر في الساعة. وتعد مرحلة دخول المسبار مدار الكوكب الأحمر الأهم والأخطر في رحلة المسبار، إذ تصل نسبة النجاح فيها 50%.
‎وتستهدف المهمة العلمية لمسبار الأمل الإماراتي توفير بيانات علمية لم توفرها المهمات المريخية السابقة، حيث سيوفر المسبار صورة هي الأشمل من نوعها للظروف الجوية والتغيرات المناخية على الكوكب الأحمر ومراقبة الطقس على مدار اليوم وبين فصول السنة المريخية الممتدة إلى 687 يوماً بحسابات كوكب الأرض.
‎رحلة «مسبار الأمل»
‎منذ انطلاقه في 20 يوليو 2020 من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان على متن الصاروخ «إتش 2 إيه»، أتم «مسبار الأمل»، ضمن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ، مرحلتين من مراحل مهمته المريخية الست، هما: مرحلة الإطلاق، ومرحلة العمليات المبكرة، وهو الآن على وشك إتمام المرحلة الثالثة وهي «الملاحة في الفضاء» التي استغرقت أطول مدة زمنية في الرحلة.
‎وجرت فيها بنجاح ثلاث مناورات دقيقة لتوجيه المسبار، ليكون في المسار الأكثر دقة للوصول إلى وجهته، قبل أن تبدأ في التاسع من فبراير 2021 المرحلة الرابعة والأكثر صعوبة ودقة وخطورة، وهي مرحلة الدخول إلى مدار المريخ، ويعقبها مرحلتان هما: الانتقال إلى المدار العلمي وأخيراً المرحلة العلمية، حيث يبدأ المسبار مهمته الاستكشافية المرصود لها والخاصة برصد وتحليل مناخ الكوكب الأحمر.
‎وكانت رحلة «مسبار الأمل» فعلياً قد بدأت كفكرة قبل سبع سنوات، من خلال خلوة وزارية استثنائية دعا لها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في صير بني ياس في أواخر العام 2013، حيث قاد سموه عصفاً فكرياً مع أعضاء المجلس استعرض فيه جملة أفكار استعداداً للاحتفال باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد في العام 2021، وقد تبنت الخلوة يومها فكرة إرسال مهمة لاستكشاف المريخ، كمشروع جريء.

‎وعلى الإثر، أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في العام 2014 مرسوماً بتأسيس وكالة الإمارات للفضاء، لبدء العمل على مشروع إرسال أول مسبار عربي إلى كوكب المريخ، أُطلق عليه اسم «مسبار الأمل»، بحيث يتولى مركز محمد بن راشد للفضاء التنفيذ والإشراف على مراحل تصميم المسبار وتنفيذه، بينما تمول الوكالة المشروع وتشرف على الإجراءات اللازمة لتنفيذه.
‎وقد شكل هذا الإعلان التاريخي منعطفاً تنموياً في مسيرة الإمارات، عبر دخولها قطاع تكنولوجيا الفضاء، وجعله رافعة أساسية في اقتصادها الوطني، بموازاة العمل على بناء رأسمال إماراتي بشري في مجال علوم الفضاء، وتخصيص الموارد اللازمة للاستثمار في هذا المجال.
‎من الحلم إلى مبادرة وطنية
‎فور تلقي مركز محمد بن راشد للفضاء التكليف ببدء تنفيذ المشروع، انطلقت رحلة تحويل الحلم والفكرة إلى واقع ملموس، وتشكلت فرق العمل من كوادر وطنية شابة، من مهندسين وباحثين وعلماء وتقنيين، حرصوا على إنجاز هذه المهمة الوطنية التاريخية خلال المدة الزمنية التي تم تحديدها، وهي 6 سنوات، حتى يتزامن وصول المسبار مع احتفالات الدولة بيومها الوطني الخمسين، في حين أن مهمة فضائية بهذا الحجم يستغرق في العادة تنفيذها ما بين 10 إلى 12 عاماً، الأمر الذي شكل تحدياً كبيراً لفريق العمل، حوّلوه بفضل الدعم اللامحدود من القيادة الرشيدة إلى حافز إضافي دفعهم لبذل جهود مضاعفة.
‎ومنذ اليوم الأول للمشروع كان توجيه القيادة واضحاً، وهو أن يتم تصنيع المسبار وعدم شرائه جاهزاً، وكان هذا تحدياً جديداً، تحول إلى فرصة لإلهام جيل من العلماء والباحثين في مجال العلوم والتكنولوجيا لإحداث نقلة نوعية والمساهمة في بناء اقتصاد مبني على المعرفة، وبناء قدرات الكوادر الوطنية العاملة في المشروع عبر تدريب وإعداد علماء إماراتيين للإسهام في مجال استكشاف الفضاء، بالتعاون مع الشركاء العلميين الدوليين للمشروع.
‎بالإضافة إلى تدريب وإعداد مهندسين إماراتيين لتطوير أنظمة الفضاء، بما يؤدي إلى تجهيز البنية التحتية اللازمة لبرنامج مستدام في دولة الإمارات لاستكشاف الفضاء الخارجي، وذلك عبر بناء شراكات مع جهات دولية مختصة في مجال استكشاف الفضاء، بالإضافة إلى إنشاء وتحسين وتطوير البرامج العلمية والهندسية في القطاع العلمي والأكاديمي.

‎وقد عمل فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ في مركز محمد بن راشد للفضاء على تصميم المسبار وبنائه وتطويره وإجراء الاختبارات اللازمة لأجهزته وأنظمته الفرعية مع شركاء نقل المعرفة العالميين، وتم بالفعل إنجازه وتجهيزه لمرحلة الاختبارات النهائية قبل الإطلاق في فبراير 2020.
‎وتزامن ذلك مع قيام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بحضور عملية تركيب القطعة الأخيرة من المسبار، والتي تشكل الجزء الخارجي الأخير منه وتحمل أسماء أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، وتواقيع سموهم، وتواقيع سمو أولياء العهود، كما تحمل عبارة «قوة الأمل تختصر المسافة بين الأرض والسماء»، بالإضافة إلى علم دولة الإمارات وشعارها «لا شيء مستحيل».
‎تحدي الوباء العالمي
‎وعقب تخطي فريق عمل مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ تحدي بناء مسبار الأمل بكفاءة في وقت قياسي، ظهر تحدٍّ جديد تمثل هذه المرة في كيفية نقل المسبار إلى محطة الإطلاق في اليابان في ظل تفشي وباء فيروس كورونا المستجد «كوفيد19» عالمياً، وهو ما ترتب عليه إغلاق المطارات والموانئ حول العالم، ووضع قيود صارمة على التنقل بين الدول، الأمر الذي استلزم وضع خطط بديلة لنقل المسبار في ضوء هذا التحدي المستجد، كي يكون جاهزاً للإطلاق في التوقيت المحدد سلفاً في منتصف يوليو 2020،.
‎وقد نجح فريق المسبار في نقله إلى محطة تانيغاشيما اليابانية في رحلة استغرقت أكثر من 83 ساعة براً وجواً وبحراً، روعي خلالها اتخاذ تدابير احترازية وإجراءات لوجستية محكمة، لضمان إيصاله إلى وجهته النهائية قبل الإطلاق في وضعية مثالية.
‎الإطلاق الناجح
‎وجاءت اللحظة الحاسمة التي ظل فريق العمل يترقبها بفارغ الصبر طوال 6 سنوات من العمل الدؤوب، وهي لحظة الإطلاق التي تحدد لها الساعة الأولى من صباح يوم 15 يوليو 2020 بتوقيت الإمارات، ولكن تبين أن الظروف الجوية غير ملائمة لإطلاق الصاروخ الذي سيحمل المسبار، لتتم إعادة جدولة الموعد ضمن «نافذة الإطلاق» الممتدة من 15 يوليو وحتى 3 أغسطس.
‎علماً بأن عدم نجاح الفريق في إنجاز عملية الإطلاق خلال تلك الفترة كان يعني تأجيل المهمة بأكملها لمدة عامين. وبعد دراسات الأحوال الجوية بالتعاون مع الجانب الياباني قرر الفريق إطلاق «مسبار الأمل» يوم العشرين من يوليو عند الساعة 01:58 صباحاً بتوقيت الإمارات.
‎ولأول مرة في تاريخ المهام الفضائية لاستكشاف الفضاء يتردد العد التنازلي باللغة العربية، إيذاناً بإطلاق مسبار الأمل، حيث حبس الملايين من الدولة والمنطقة والعالم أنفاسهم انتظاراً للحظة الحاسمة لصعود الصاروخ مخترقاً الغلاف الجوي للأرض بسرعة 34 ألف كيلومتر في الساعة حاملاً معه مسبار الأمل.
‎وما هي إلا دقائق حتى تأكد نجاح عملية الإطلاق، ثم انفصال المسبار عن صاروخ الإطلاق بنجاح، ولاحقاً استلام أول إشارة من المسبار، كما تلقى المسبار أول أمر من محطة التحكم الأرضية بالخوانيج في دبي، وقام المسبار بشكل ذاتي بفتح الألواح الشمسية وتشغيل أنظمة الملاحة الفضائية .
‎عمليات دقيقة ومعقدة
‎وشهدت رحلة مسبار الأمل الممتدة لنحو 7 أشهر حتى الآن العديد من العمليات الدقيقة والمعقدة، ففي المرحلة الأولى انطلق الصاروخ متسارعاً بعيداً عن الأرض، وتم خلال هذه المرحلة استخدام محركات الصاروخ التي تعمل بالوقود الصلب، وبمجرد اختراق الصاروخ الغلاف الجوي للأرض تم التخلص من الغطاء العلوي للصاروخ الذي كان يحمي «مسبار الأمل».
‎وفي المرحلة الثانية من عملية الإطلاق تم التخلص من محركات المرحلة الأولى، ووضع المسبار في مدار الأرض، لتعمل بعد ذلك محركات المرحلة الثانية على وضع المسبار في مساره نحو الكوكب الأحمر من خلال عملية محاذاة دقيقة مع المريخ. وكانت سرعة المسبار في هذه المرحلة 11 كيلومتراً في الثانية الواحدة، أي 39600 كيلومتر في الساعة.
‎ثم انتقل المسبار إلى المرحلة الثالثة والمعروفة بمرحلة العمليات المبكرة .
‎توجيه مسار المسبار
‎وفور تلقي المحطة الأرضية في دبي هذه الإشارة، باشر فريق العمل إجراء سلسلة من الفحوصات للتأكد من سلامة المسبار استمرت مدة 45 يوماً، فحص خلالها فريق العمليات والفريق الهندسي للمسبار جميع الأجهزة للتأكد من عمل الأنظمة والأجهزة الموجودة على متن المسبار بكفاءة. وفي هذه المرحلة، أجرى فريق عمل مسبار الأمل بنجاح مناورات توجيه المسار ليكون المسبار في أفضل مسار صوب الكوكب الأحمر، وقد نجح الفريق في إجراء أول مناورتين، الأولى في 11 أغسطس والثانية في 28 من أغسطس 2020.
‎وبعد إنجاز مناورتي توجيه المسار بنجاح، بدأت المرحلة الرابعة في رحلة «مسبار الأمل»، وهي «الملاحة في الفضاء» عبر سلسلة من العمليات الاعتيادية، إذ تواصل الفريق مع المسبار عبر محطة التحكم الأرضية بواقع مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع.
‎كشف أسباب تآكل سطح كوكب المريخ
‎تتضمن أهداف «مسبار الأمل» عند وصوله بنجاح إلى مداره حول الكوكب الأحمر تقديم صورة متكاملة للغلاف الجوي للمريخ للمرة الأولى في تاريخ المهمات المريخية، وتكوين فهم أعمق بشأن التغيّرات المناخية على سطحه، ورصد الظروف المناخية للكوكب الأحمر على مدار اليوم وبين الفصول.
‎ومراقبة الظواهر الجوية، كالعواصف الترابية والتغيرات في درجة الحرارة، ودراسة تأثير التغيّرات المناخية في تشكيل ظاهرة هروب غازي الأوكسجين والهيدروجين من غلافه الجوي، عبر دراسة العلاقة بين طبقات الغلاف الجوي السفلية والعلوية، بالإضافة إلى كشف أسباب تآكل سطح المريخ، والبحث عن الروابط بين طقس اليوم والمناخ القديم للكوكب الأحمر.
‎ومن شأن تحليل مناخ الكوكب الأحمر مساعدتنا على معرفة ما إذا كانت هناك إمكانية للحياة على سطح المريخ، واستشراف مستقبل كوكب الأرض، وسُبل الحفاظ على الحياة فيه.
‎معلومات
‎وسوف يجمع مسبار الأمل أكثر من 1000 غيغابايت من البيانات الجديدة عن كوكب المريخ، بحيث يتم إيداعها في مركز للبيانات العلمية في الإمارات من خلال عدة محطات استقبال أرضية منتشرة حول العالم، وسوف يقوم الفريق العلمي للمشروع بفهرسة وتحليل هذه البيانات التي ستكون متاحة للبشرية للمرة الأولى، ليتم بعد ذلك مشاركتها مع المجتمع العلمي المهتم بعلوم المريخ حول العالم في سبيل خدمة المعرفة الإنسانية.